يعاني معظم مديري المحتوى وإستراتيجيِّي الـ SEO من المعضلة نفسها: ما هي الآليّة الصحيحة لكي تتم كتابة محتوى تسويقي مناسب لمدوّنة الشركة؟
نتفق على أن:
- كاتب المحتوى قد لا يكون خبيرًا بنفس درجة مختص الـ SEO، في عملية الـ SEO.
- مختص الـ SEO قد لا يمتلك قوة كاتب المحتوى ومهاراته في الكتابة والإقناع.
وعليه، يضيع الاثنان في خطوات كتابة المحتوى التسويقي، الذي حقًّا سوف يزيد من معدل تحويل القرّاء إلى عملاء، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، تبرز أكبر معضلة: كتابة المألوف بأسلوب غير مألوف.
لنكُن واضحين! كاتب المحتوى ليس محترفًا أو صاحب تجربة فعليّة حول موضوع مقاله، وهذا لا يعيبه، فدوره أن يكتب، أن يلهم، أن يبسط…
عمليّة كتابة المحتوى هي عمليّة تعاونيّة، وليست عملية فردية تُلقَى على عاتق الكاتب.
لهذا لو تأملت المحتوى المنشور على الإنترنت، فستجد أن المقال نفسه كتبه كل المنافسين بالطريقة نفسها، قد يختلف الأسلوب، وطريقة الطرح، لكن المعلومات تظل هي نفسها.
فما الحل؟
هذا هو موضوع مقالنا اليوم، لنبدأ.
فك معضلة كتابة محتوى للشركات: ما تحتاج إلى معرفته حقًّا لكتابة محتوى تسويقي:
قبل أن نصل إلى الحل، لنقف أولًا على أسباب المشكلة، وهي تنحصر في هذه الأسباب الثلاثة؛ كلِّها أو بعضِها:
- التحليل السطحي: مسح موضوعات المنافسين، وكأن عملية التحليل خوارزمية لا تخضع للملاحظة البشرية، التي تُعرف بتدوين أوجه القصور التي يتربع عليها فهم تأثير المقال العاطفي.
- التفكير المحدود: إنتاج محتوى يعالج المشكلات الظاهرة فقط، متجاهلًا الاحتياجات العاطفية العميقة، أو لنَقُل بلُغة المحتوى: التركيز على “لِمَ” وإهمال “كيف”.
- الاتصال التقليدي: الكتابة بأسلوب مغاير قد تغلب عليه الرسميّة، بدلًا من الكتابة بأسلوب يشبه صوت جمهورك الطبيعي.
وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن السبب في تكرار هذه الأخطاء هو أن معظم صناع المحتوى يتَّبعون الخطط التقليدية، التي تضع نُصْب عينيها تحسين المقال لمحركات البحث، وفق أفضل الممارسات.
لكن الحقيقة هي أن الناس لا يبحثون فقط عن معلومات مجرَّدة، بل يبحثون عن من يُضفِي عليها معنى.
دعني أشرح لك كيف تكتب محتوى تسويقيًّا ناجحًا.
إليك خطوات كتابة المحتوى التسويقي في ثلاثة أبعاد – أو إن شئت فقل: خطوات – رئيسية:
الآن، لنبدأ في كتابة محتوى تسويقي يوافق متطلبات جوجل من جهة، ويلبِّي نية الباحث من جهة أخرى.
البُعد الأول: تحديد فجوات المنافسين:
أول خطوة لكتابة محتوى مميَّز وقوي، هي أن تلتقط تلك اللحظة التي يترك فيها منافسوك “فراغات” في المحتوى الذي يقدِّمونه. هذه الفجوات – مهما كانت صغيرة – هي تلك الميزة – أو بلُغة الكتابة والتسويق: الزاوية – التي يمكن أن تتفوق فيها عليهم، وتَبنِي محتوى يتفاعل مع جمهورك بشكل عميق.
فعلى سبيل المثال:
منذ أسابيع وأنا أعمل على كتابة مقال يستهدف الكلمة المفتاحيّة التالية: “أفضل أدوات السيو”، ولكن الثغرة التي وجدتها هي أن معظم المنافسين يأخذ أدوات عدّة، ثم يرتِّبها دون أي سبب حقيقي. فقرَّرت أن أُجرِي استِبانة على منصّة LinkedIn، أسال فيها متخصِّصي السيو العرب، عن أفضل أدوات السيو، فحصلت على إجابات واضحة من واقع سوقنا العربيّة:
دع عنك أن الرسم البياني السابق يُعَدّ ميزة تنافسيّة قوية لي ولمقالي.
أنصح بقراءة: حتى لا تسير مع القطيع: كيف تكتب محتوى استهدافيًّا متجددًا ومختلفًا عن المنافسين؟
المثال السابق هو جزء بسيط من الثغرة، فثمة ثغرة أكبر يتَّسم بها – مع الأسف – معظم المحتوى العربي، وهي – كما ذكرت سابقًا: التركيز على “ماذا” وترك “كيف”، بمعنى: أن تقول في مقال عن إستراتيجيات التسويق الرقمي: “انشر باستمرار على حساباتك في مواقع التواصل الاجتماعي”، دون أن توضِّح: كيف أَنشُر؟ وعن ماذا؟ وكيف أُعِدُّ أصلًا خطة نشرٍ تحقِّق كلتا الحسنيين: جذبِ جمهورِي المستهدف، وتحقيق هدفِي التسويقيّ. أرأيت حجم المعضلة التي نتحدث عنها؟
فبدلًا من أن تركِّز على تقديم الحقائق فقط، يجب أن تلتفت إلى اللحظة التي يشعر فيها الجمهور بأنك قد فهمت تمامًا ما يمرُّون به. عندما تكون هذه الفجوات في محتواك واضحة، ستجد فرصًا غير متناهية للتميُّز.
وحتى لا أقع أنا أيضًا فريسة لجزئية الاهتمام بـ “لماذا” وترك “كيف”؛ إليك كيفية تحقيق ذلك:
أولًا: ضع نفسك مكان القارئ المستهدف بمقالك، ثم اسأل:
- ما هي الادِّعاءات التي يقدِّمها المنافسون؟
- كيف يدعمون – أي: المنافسين – هذه الادِّعاءات؟
- ما هي الفجوات المنطقية التي يتركونها مفتوحة؟
الأسئلة السابقة تستطيع أن تجيب عنها بطريقتين:
الأُولى: التحليل اليدويّ بأخذ المقالات الثلاثة التي تتصدَّر نتائج البحث على الكلمة المفتاحية المستهدَفة، ثم قراءتها بعَين الناقد. أنصحك أن تُنشِئ مستندًا على Google Sheets أو مايكروسوفت إكسيل؛ لتدوين أيّة ملاحظات.
الأخرى: الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، كما في الصورة:
ثانيًا: تحديد الحاجة العاطفية للقارئ، عبر إجابة الأسئلة التالية:
- كيف يتواصلون عاطفيًّا؟
- ما هي الاحتياجات العاطفية التي يتجاهلونها؟
- أين يمكن خَلق تواصل عاطفي أعمق؟
بصفتك كاتب محتوى، إياك ثم إياك أن تهمِل هذه القاعدة التسويقيّة النفسيّة الشهيرة، وهي: أننا – بوصفنا بشرًا – نشتري بالعاطفة ثم نسوِّغ ذلك بالمنطق، فوَراء كل قرار شراء، ثمة احتياج عاطفي. دورك هنا هو أن تعرِف هذا الاحتياج؛ حتى تكسب القارئ لصالحك، وتجعله يشتري منك دون منافسيك.
أحد العملاء لدينا في “نكتب لك” هو شركة تقنية تقدِّم حلول محاسبة سحابية، وأذكُر في أحد المقالات التي كنا نكتبها، أن معظم المنافسين ركَّزوا على إبراز مزايا برنامجهم التقني، وأهملوا الجزء العاطفي، فكانت ثغرة لنا. كان الاحتياج العاطفي – ببساطة – يتمثل في إبراز أهمية أتمتة ما يمكن أتمتته، بحيث يتاح لقارئي المستهدف أن يركز على ما يُهِمّ، وهو المهمّات الأخرى التي تساعد في نمو عمله.
وهنا يمكِنك أن ترى بوضوحٍ حجم العملاء المحتملين، التي جلبها هذا المحتوى في نوفمبر الماضي (نوفمبر من 2024): 453 عميل محتمل في شهر واحد فقط من المقالات المهيأة لمحركات البحث:
ثالثًا: لماذا يجب أن أثق فيك دون غيرك؟
- كيف يُثبِتون مصداقيَّتهم؟
- ما هي إشارات السُّلطة التي يستخدمونها؟
- أين يمكن بناء الثقة بشكل مختلف؟
في المحتوى تتَّضح الخبرة وضوح الشمس في نهار شديدة الحرارة، من خلال كتاباتك وطريقة طرحك، وهذه نقطة لا تتنبَّه إليها معظم الشركات التي توظِّف كتّاب المحتوى غير المتخصِّصين، أو ذوي الأجور المتدنِّية؛ ظنًّا منها أنها حقَّقت صفقة رابحة.
ثمة أنواع عدّة من الخبرة، تستطيع أن تُظهرها في محتواك:
- دراسة حالة لعميل تحوَّل من حالة سيئة إلى حالة أفضل بعد التعامل معك.
- تحليلك لحالة معيَّنة وتقديم حلول عملية.
- محتوى قصصيّ تسرد فيه خبراتك ورؤاك.
- وغيرها كثير.
أنصح بقراءة: كيفية إنشاء محتوى تسويقي يلفت الأنظار: نصائح عمليّة لمديري المحتوى.
فمثلًا: حتى وإن كنت لم تَسمَع من قبلُ بفؤاد الفرحان، فيكفي أن تقرأ تحليله لحلقة بودكاست عن ريادة أعمال؛ لتدرك أنك أمام رياديّ ناجح، رياديّ من العيار الثقيل:
الخبرة ليست من الأشياء التي يمكن شراؤها أو تمثيلها، بل هي شيء ظاهر في محتواك لا يختلف عليه اثنان. فاحرص إن كنت كاتب محتوى أو مدير محتوى، أن تتعامل مع من لديه تجربة حقيقية في كتابة محتوى تسويقي قوي.
ذاك فيما يخصّ تحديد ثغرات واضحة من تحليل محتوى المنافسين، لكن ثمة بُعدٌ آخر شديد الأهمية.
أنصح بقراءة: كيف تصنع محتوى قيادة فكر في 10 دقائق Thought Leadership؟
البُعد الثاني: اضبط مستويات الصراع الثلاثة:
في هذا البعد، دورك أن تتحرك وفق ظروف سوقك وحالة جمهورك المستهدف. قد تسأل: “ماذا أعني بما سبق؟”.
أجيبك: راعِ ثلاثة أجزاء أساسية، وهي:
الصراعات الخارجيّة:
- ظروف السوق.
- التغيُّرات في الصناعة.
- القيود على الموارد.
- التحوُّلات التكنولوجية.
- المنافسة.
- الضغوط التنظيميّة.
الصراعات الشخصيّة:
- ديناميّات فريق العمل.
- مطالب العملاء.
- توقُّعات أصحاب المصلحة.
- الاحتكاك بين الأقسام.
الصراعات الداخليّة:
- الشكوك الذاتيّة.
- متلازمة المحتال.
- عدم اليقين بشأن المستقبل المهنيّ.
- التوازن بين العمل والحياة.
- فجوات المهارات.
- شلل القرار.
لنأخذ هذا المثال ونعرضه في السياق العملي. لنفترض أنك تكتب عن تنفيذ إستراتيجية تسويق جديدة:
- الصراع الخارجيّ: “مع ضغوط الميزانيات التسويقية، وارتفاع تكاليف القنوات، تحتاج الفرق إلى تحقيق أقصى استفادة من كل دولار يُنفَق…”.
- الصراع الشخصيّ: “من المستحيل الحصول على الموافقة على الأساليب الجديدة، عندما يكون أصحاب المصلحة متمسكين بالمعايير التقليدية…”.
- الصراع الداخليّ: “قد تتساءل عمّا إذا كنت تمتلك الخبرة الكافية لقيادة هذا الانتقال الإستراتيجي، أو إذا كنت تفوِّت شيئًا بديهيًّا…”.
أنصح بقراءة: أفضل 5 قوالب من المحتوى يحبها جوجل وتحوِّل القرّاء إلى عملاء.
وهذا البعد يعَدّ مهمًّا جدًّا فقط للشركات التي تستهدف جمهورًا يتَّسم بصناع قرارٍ عدّة في أيّة عملية شراء، وهو قطاع الـ B2B. فلنفترض أنك برنامج محاسبة، ووصل محاسب إلى برنامجك وأعجب به، فهو يحتاج إلى أن:
- يعرض هذا البرنامج على رئيسه.
- ورئيسه قد يحتاج إلى عرض ذلك على فريقه.
فتأخذ عملية القرار وقتًا حتى تتمّ.
وهذا يحدث معنا في “نكتب لك” كثيرًا، فنحن شركة تسويق، وأغلب جمهورنا هو الـ B2B، وغالبًا ما تأخذ دورة القرار (دورة المبيعات) شهرين أو أكثر.
السؤال المهم الآن: ماذا يعني هذا لك بصفتك كاتب محتوى؟
يعني – ببساطة – أن تأخذ في عين الاعتبار وأنت تكتب لقارئ واحد محدَّد، أنه ليس صاحب القرار الوحيد، فيأتي دورك هنا في تقديم يد المعونة له عبر أشياء عدّة:
- توفير دليل مجانيّ للتحميل في مقالك، قد يُعِينه على عَرضه على فريقه.
- تقديم مقارنة بين حلِّك والحالة العامة للسوق، ولماذا يجب أن يتم استخدام حلِّك أنت دون غيرك.
- عرض دراسة حالة قريبة من حالة القارئ؛ حتى يشعُر بالأُلفة، فتتحرَّك عاطفته.
لاحظ هذا المقال من Hubspot عن أفضل Sales CRM:
هذا المقال نفسه ستجد شركة أخرى تستهدف نفس كلمته المفتاحية Sales CRM، ولكنك بدلًا من طريقة عرض مقال Hubspost السابق، ستجد المنافس يبدأ بكلام عامّ غير محفِّز، مثل:
يُعَدّ نظام المبيعات CRM حاجة ضرورية للشركات، وكلّ شركة يجب أن تمتلك واحدًا…
… … |
تلك المقدمة قد تكون هي مقدمة محتواك الحالي؛ لأنك لم تنفِّذ البعد الثاني الذي نناقشه الآن.
هذه العملية المتكاملة من البعد الأول حتى بعدنا الثاني هذا، تمنح المقال عمقًا يعزِّز من صلة القارئ، حيث يُشعِر بأنك تفهم تحدياته الحقيقية في جميع جوانبها؛ من الصراع الخارجي الذي يعكس الواقع المهني، إلى الصراع الشخصي الذي يعبِّر عن التوترات اليومية، ثم الصراع الداخلي الذي يعكس حالة الشك والتردد. هذا يجعل المحتوى أكثر واقعيّة، ويعطي القارئ شعورًا بأنك لا تقتصر على سرد المشكلة، بل تفهم بشكل حقيقي ما يعيشه.
الآن عرفت كيف تجد فجوات في البعد الأول، وكيف تخاطب حالة قارئك بشكل واقعي في البعد الثاني الحالي، تبقى بعدٌ واحد، وهو:
البُعد الثالث: أن تكتب بصوت جمهورك الحقيقي:
هذه الخطوة مرهِقة للغاية، وبرأيي الشخصي يجب أن يكون ثمة تعاون بين:
- مدير التسويق.
- مدير/ مسؤول المحتوى.
- فريقَي المبيعات والدعم الفني.
ثم يتم كتابة دليل إرشادي مبني على:
-
- المحادثات المباشرة من دردشات فريق الدعم الفني.
- مراجعة المكالمات البيعية.
- تحليل نبرة الجمهور وصوته على وسائل التواصل الاجتماعي، بِاستخدام أداة مثل: لوسيديا.
ويتم التركيز أثناء تحضير هذا الدليل على استخراج:
- العبارات الشائعة التي يستخدمها الجمهور المستهدف.
- كيف يصِفون المشكلات؟
- مستوى معرفتهم التقنية.
- المَراجع الثقافية التي يستخدمونها.
- أسلوبهم في الفكاهة (إن وُجِد).
- تفضيلاتهم في التواصل.
بناءً على هذا الفهم العميق، يجب أن تعكس هذا في محتواك. إذا كان جمهورك:
- مباشرًا ويعتمد على البيانات → فكن دقيقًا وكمِّيًّا.
- تعاونيًّا وغير رسميّ → فاستخدم أسلوبًا حواريًّا.
- إستراتيجيًّا ومتطورًا → فقدِّم تحليلات دقيقة ومعمَّقة.
- عمليًّا ومباشرًا → فركِّز على التنفيذ التكتيكي.
وهذا يجب أن يكون موثَّقًا ومكتوبًا في ملف تفصيلي، أو صفحة هبوط إن شئت. فمثلًا: خذ عندك مثالًا على هذا من Hubspost، إذ خصَّصَت صفحة كاملة لإرشادات الكتابة لمدوَّنتها بشكل مفصَّل:
أنصح بقراءة: كتابة المحتوى: تعلَّم كيف تكتب محتوًى وكأن جمهورك المستهدف هو الذي كتبه.
خلاصة القول: دمج الأبعاد الثلاثة معًا:
إذًا، لكي تتم كتابة محتوى تسويقي يصعب تقليده، عليك أن:
- تَسُدّ الفجوات/ الثغرات التي تركها المنافسون من خلال تطبيق البعد الأول.
- تقديم محتوى يتَّسم بمعالجة الصراعات الخارجيّة والشّخصيّة والدّاخليّة للقارئ من خلال البعد الثاني.
- وأخيرًا الكتابة بأسلوب جمهورك المستهدف من خلال البعد الثالث.
هكذا تكتب محتوى تسويقيًّا تنافسيًّا، يجعل منك علامة تجاريّة مميَّزة.
الآن، اسمح لي أن أسألك: كيف يجب أن تكتب محتوى تسويقيًّا؟