في كل موسم عيد، تمتلئ الشاشات والمنصّات بإعلانات تَحمِل نيّات جميلة، وميزانيات ضخمة، وتصاميم جذابة. لكن، كم إعلانًا تتذكَّره فعلًا؟ ستجد أن إعلانًا واحدًا، بعد عام أو اثنين، ما زال عالقًا في ذاكرتك.
الواقع هو أن معظم “إعلانات العيد” لا تفشل لأنها سيئة، بل لأنها عادية: تهنئة عامّة، موسيقَى مألوفة، مشاهد مكرَّرة. وفي سُوق مزدحمة بالعواطف والضجيج، لا ينجو إلا إعلانٌ يقول شيئًا جديدًا، أو يقول شيئًا مألوفًا بطريقةٍ تَمَسُّكَ.
هنا تَظهر “زين”، ففي هذا المقال، لا نحتفي بإعلانات “زين” للعيد بصفتها أعمالًا فنِّيّة فحسب، بل نحلِّل سِرّ نجاحها التسويقي والعاطفي.
لماذا يُشاهَد إعلانها أكثر من 100 مليون مرة؟ ما الذي تفعله “زين” ولا تفعله الشركات الأخرى؟
وكيف يمكِنك – بصِفتك صاحب علامة، أو كاتب سيناريو، أو مسوِّقًا – أن تَصنع إعلان عيد يُشاهَد، ثم يُشارَك، ثم يُتذكَّر؟
نبدأ من المشهد الأول:
إعلانات العيد: ما الذي يجعل إعلان العيد مختلفًا عن أي إعلان آخَر؟
إعلان العيد ليس إعلانًا عاديًّا، فهو ليس إعلان “منتج”، بل إعلان لحظة؛ لحظة ينتظر فيها الناس ما هو أكثر من سِعر أو عَرض، ينتظرون أن يَشعروا بشيءٍ، أن يَضحكوا، أن يتأثَّروا، أن يُذكَّروا بشيء فَقَدُوه أو افتَقَدُوه.
لهذا السبب، تفشل الإعلانات التي تعامل العيد وكأنه “موسم مبيعات”، وتنجح تلك التي تَفهَم أنه موسم ذاكرة.
في إعلان العيد، أنت لا تسوِّق لمنتجك، بل تَدخُل ذاكرة عميلك. لا أحد يريد أن يرى شعارك الكبير، أو يسمع صوت إعلانك التقليدي. الناس يبحثون عن أنفُسهم في القِصّة، يبحثون عن مشهد يشبِه أمَّهم، أو طفلهم، أو وجبة الإفطار الأُولى في بيت جدَّتها.
لهذا، فإن إعلان العيد الناجح لا يبدأ من شعارك، بل من وجدان جمهورك.
تسويقيًّا، هذه الإعلانات هي فُرص نادرة لزرع مشاعر عميقة، تربط الجمهور بالعلامة دون حاجة إلى قول: “نحن الأفضل”.
في الفقرات القادمة، ننتقل من النظرية إلى التطبيق، ونحلِّل حملات “زين” التي لم تكتفِ بأن تكون “مشاهَدة”، بل تحوَّلت إلى طقس رمضانيٍّ وعِيديٍّ يُنتظَر سنويًّا.
لماذا تنجح “زين” في حين أن غيرها يفشل؟ (تحليل من منظور كتابة الإعلان والتسويق الشعوري):
لكي تَفهَم سبب نجاح “إعلانات زين”، لا يكفي أن تشاهِد الإعلان بصِفتك مشاهدًا عاديًّ، بل عليك أن تلبس قبّعة كاتب الإعلانات، وأن تسأل:
- لماذا تبدأ الجملة بهذه الكلمة؟
- لماذا لا يَظهر شعار الشركة حتى النهاية؟
- لماذا أبكي من إعلان لخَطِّ هاتف؟
إليك الآن التحليل، مشهدًا بعد مشهد، كما نراه في عالم التسويق العاطفي والكتابة النفسية:
1. مشهد البداية (الـ Hook):
- “فرحتنا بالعيد لخبطت الكلام…” — (2025).
- “تيرارام تيرارام… بلد واحد يجمعنا” — (2018).
- “سيدي الرئيس، أأنت المسؤول؟” — (2017).
كل إعلان يبدأ بجملة خارجة عن المألوف،
ليس فيها “تهنئة”، ولا “عيدكم مبارك”، ولا شعارات،
بل يبدؤون دائمًا بـ:
- تشويش لغوي (زين 2025).
- إيقاع صوتي غريب ولا يُنسَى (2018).
- مواجهة مباشرة وصادمة (2017).
الدرس المستفاد هنا من ناحية الكتابة: “إذا بدأت بجملة تشبِه البقية، فقد انتهيت قبل أن تبدأ”.
لهذا تصمّم الـ Hook ليكسر التوقُّع، ويثير الفضول فورًا.
2. التحفيز العاطفي: إثارة عاطفة محدَّدة، ثم تركها تنضج:
كل إعلان لدى “زين” يعمل وفق هذا التسلسل:
- إثارة شعور واحد فقط (الدهشة، الحنين، الحزن، الأمل…).
- التركيز على مشهد واحد فقط يعبِّر عنه.
- ترك المشهد “يتنفس” بدون قطع سريع أو تعليق.
مثال من 2018: الطفلة ماريا تسير وحدها، تغنِّي، ثم تنضم إليها وجوه من دول عربية… لا تعليق، ولا سرد… بساطة سينمائية تؤكِّد المعنى.
الدرس المستفاد: العاطفة المُعالَجة في الإعلان لا تُقال، بل تُستدعَى. وهنا الفرق بين:
- إعلان يقول: “نحن معكم في العيد”.
- وآخر يجعلك تشعر بأنهم كانوا معك فعلًا.
3. البناء القصصي: قصّة لا تتحدث عن العلامة، لكنها تصنع لها مكانة:
“زين” تَفهَم أن أفضل إعلان لا يُقنعك بشراء شيء، بل يجعلك تثق أن العلامة “تشبِهك”.
- الطفل الذي يسأل: “لماذا العيد لا يأتي لكل الناس؟” لا يروِّج لخدمة، بل يعكس حساسية اجتماعية.
- الفتاة الصغيرة التي تُخطئ في جملة: “سعيد كل بخير عام” ليست وسيلة إعلانية، بل رمز طفولي نقيّ.
الدرس المستفاد هنا من ناحية الكتابة: هذه الإعلانات تُكتَب كـ “حكايات شخصية”، ثم يُبحَث عن طريقةٍ لربطها بالعلامة، ليس العكس كما تفعل الشركات الأخرى: تبدأ من المنتَج، وتبحث عن قصة لتُلصقها به.
4. الإعلان بصفته منتَجًا ثقافيًّا قابلًا لإعادة التوزيع (Shareability):
إعلانات “زين” ليست فقط للمشاهدة، بل:
- قابلة للاقتباس (جمل قصيرة + لحن لاصق).
- قابلة للتقطيع (كل مشهد يعمل كمقطع TikTok).
- قابلة للنِّقاش (السوشيال ميديا تمتلئ بالتفسيرات والتأويلات بعد كل إعلان).
وهذا مقصود، فالإعلان لا يُبنَى لينتهي على الشاشة، بل ليبدأ على تويتر، وواتساب، ويوتيوب.
الدرس المستفاد: إذا لم يُعَدْ نشر الإعلان تلقائيًّا، فالإعلان فشِل مهما كانت مشاهداته.
5. إخفاء العلامة لتعزيز صدقيَّتها (The Silent Brand):
شعار “زين” لا يَظهر في البداية.
فلا يقال: “نحن شركة تقدِّم الأفضل”،
بل: “نحن هنا لنَروي القصة، والبقية عليك”.
حتى إن الجمل الختامية لا تحمل صيغة أمر، بل تلويحة خفيفة:
“عيد يجمعنا، من “زين”!”.
الدرس المستفاد هنا من ناحية الكتابة: الإعلان الجيد لا يبيع، بل يجعل الجمهور يطلب الشراء بنفسه.
الدروس المستفادة من إعلانات “زين”:
إعلانات “زين” تنجح؛ لأنها:
- تُكتب بوصفها قصصًا، لا مواد تسويقية.
- تُبنَى من الداخل (مشاعر الناس)، لا من الخارج (مواصفات الشركة).
- تتحدث بلسان الجمهور، لا بلسان العلامة.
- تترك الانطباع قبل أن تُظهِر الشِّعار.
في عالَم يزدحم بـ “كل عام وأنتم بخير”، “زين” تصنع لحظة تقول: “نحن نَفهَم ما يعنيه العيد، حتى حين لا يُقال”.
كيف تصنع علامتُك إعلانَ عيدٍ لا يُنسَى؟ (دليل عملي لصياغة إعلان يعلق في القلب قبل الذاكرة):
نجاح إعلان العيد لا يأتي من تقليد الآخرين. فما نجح لـ “زين”، لن ينجح إذا نُقِل دون روح.
لكنَّ وراء هذا النجاح خيوطًا يمكن تتبُّعها، وأسسًا يمكِن توظيفها لأيّة علامة، سواء كنت متجرًا صغيرًا أو شركة كبرى. إليك المبادئ التي يحتاج إليها كل إعلان عيد؛ ليكون أكثر من مجرد فيديو:
1. ابدأ من الشعور، لا من المنتَج:
لا تسأل: “كيف أروِّج لعرض العيد؟ بل اسأل: “ما الشعور الذي أريد أن يعيشه الجمهور عند مشاهدة الإعلان؟”.
اختر شعورًا واحدًا فقط:
- الحنين (إلى الأهل، أو الطفولة، أو المكان).
- الفقد (لشخص، أو عادة، أو زمن).
- الفرح البسيط (لحظة ضحك، جمعة عائلية).
ثم ابْنِ القصة حول هذا الشعور، لا حول منتَجك.
2. صمِّم “مشهدًا رئيسيًّا” يحمل كل الرسالة:
لا تشتِّت الإعلان بـ 10 مشاهد، أو 4 خطوط درامية، بل اختر مشهدًا واحدًا فقط يمثِّل “نقطة التحوُّل”. أمثلة:
- طفل يكتب رسالة بخط مكسَّر.
- رجل كبير يعود إلى بيت طفولته.
- أُمّ تتلقى زيارة مفاجِئة في آخر لحظة.
هذا المشهد هو قلب الإعلان، فكل شيء قبله يُمهّد، وكل شيء بعده يُختصَر.
3. اجعل الجمهور هو البطل، لا شركتك:
أسوأ ما يمكن أن تفعله هو أن تقول: “نحن الأفضل.. نحن الأسرع.. نحن نحِبُّكم”، وأفضل ما يمكن أن تفعله هو أن تجعل الجمهور يقول: “يا ألله! هذا يشبهني!”.
اكتب السيناريو من وجهة نظر الطفل، أو الأم، أو المسافر، أو الجار… ولا تُدخِل شِعار شركتك إلا في النهاية، بوصفه توقيعًا رقيقًا، لا عنوانًا.
4. استثمِر في “عنصر لا يُنسَى”:
إعلان بلا عنصر لاصق، يُنسَى فورًا. اختر واحدًا فقط مما يلي، واجعله مركز الثِّقَل:
- صوت طفل لا يُنسَى.
- جملة صادمة في البداية.
- لحنًا قابلًا للاقتباس.
- مشهدًا رمزيًّا يُحاكي الذاكرة الجماعية.
مثال: إعلان زين “تيرارام”: الناس لا يَذكُرون النَّص، بل يردِّدون اللَّحن.
5.صمِّم لإعادة النشر، لا للمشاهدة فقط:
قبل أن تكتب أول مشهد، اسأل نفسك: “هل سيشارك الجمهور هذا الإعلان على واتساب؟”.
أضِف مَقطعًا يصلُح لأن يكون Reel… اجعل القصّة تُروَى وإن لم تكُن بصوت… اكتب جملة تَعلَق في الذهن، يمكِن اقتباسها بسهولة، فأنت لا تصنع إعلانًا لمرّة واحدة، بل مادة للانتشار.
6. اربط المنتَج باللَّحظة، لا بالقصّة:
لا تَعرِض منتَجك طوال الإعلان، بل اجعله جزءًا من اللَّحظة العاطفية الأخيرة.
مثال:
- العميل يتلقَّى قسيمة هدية في نهاية المشهد، بعد أن قدَّم شيئًا لطيفًا لأحدهم.
- فتاة تتذكَّر كيف اشترت من المتجر ذاته في العيد الماضي لأخيها الراحل.
المنتَج لا يكون البطل، بل الجسر.
تذكَّر: إعلان العيد العظيم لا يُقاس بعدد المؤثِّرات، بل بعدد الأشخاص الذين شاهدوه وقالوا: “هذا عَنِّي!”. إذا شعرت بأنك كتبت “إعلانًا جميلًا” لكنه يشبِه غيره، فتوقف، واكتب شيئًا حقيقيًّا، وإن كان بسيطًا. فالصدق في العيد، هو الحيلة الوحيدة التي تنجح فعلًا.
الخلاصة: إعلان العيد ليس مناسبة، بل مسؤولية:
في موسم يفيض بالرسائل، والبخور، والأغاني، يصبح من السهل إنتاج إعلان، ومن الصعب ترك أثر.
“زين” لم تنجح لأنها الأغلى إنتاجًا، بل لأنها:
- فهمت أن الناس لا ينتظرون إعلانًا، بل لحظة تُشبِههم.
- كتبت قصصًا تَمشِي على أطراف القلب، لا على ألسنة المُعلِنين.
- ابتعدت عن المبالغة؛ لتقترب أكثر من الحياة.
العلامات التي تَفهَم هذا، تَصنَع لنفسها مكانة لا تُشترَى؛ لأنها لا تحتفل فقط بالعيد، بل تُعِيد تعريفه.
وفي وقتٍ أصبح فيه الإعلان مجرد محتوى في زحام العيد، فإن إعلان العيد هو فرصتك الوحيدة لتقول شيئًا لا يُنسى.
فهل ستقول: “عيدكم سعيد”، أو ستَروِي حكاية تَبقَى بعد انتهاء العيد؟