هل تعتقد أن تقسيم السوق يعني أن تقول: “نستهدف النساء من عمر 25 إلى 40″، أو أن تصِف جمهورك بأنه من الطبقة المتوسطة ويحب التسوق الإلكتروني؟ هذا الوصف لا يَبنِي حملات، ولا يُقنع عميلًا، ولا يحفِّز للشراء.
الحقيقة الأصعب هي أن معظم ما يُسمَّى بتقسيم السوق في الخطط التسويقية، لا يتجاوز كونه تجميعًا جافًّا لبيانات بلا معنى سلوكي ولا بُعد شعوري، كأنك تصِف الجدار بدلًا مِن فهم مَن يقف خلفه.
في هذا المقال، لن نكتفي بتعريف تجزئة السوق، ولا سرد إستراتيجياتها الأكاديمية، بل سنُدخل عدسة جديدة في المعادلة: هندسة السوق العاطفية.
كيف تفهم جمهورك من الداخل؟ وكيف تَبنِي محتوى أو إعلانًا يتحدث عن احتياجاته، ومخاوفه، وطموحه؟ ولماذا نحتاج في السوق السعوديّة إلى هذا التحوُّل أكثر من أي وقت مضى؟
إذا أردت أن تكون رسالتك التسويقية مُقنِعة فعلًا، وليست موجهة فقط إلى “فئة عمرية”، فاقرأ هذا المقال إلى النهاية.
ما هو تقسيم السوق؟ ولماذا لا يكفي وحده؟
في الكتب التسويقية، يُعرَّف تقسيم السوق بأنه: “عملية تقسيم السوق الكليّة إلى مجموعات أصغر، من المستهلكين الذين يشتركون في احتياجات، أو يتشابهون في الخصائص”.
لكننا جرَّبنا هذا التعريف على أرض الواقع، وطبَّقناه على حملات فعلية، ورأينا أين ينهار.
الخلل ليس في التعريف ذاته، بل في الاكتفاء به إطارًا ذهنيًّا جامدًا.
لنضرب مثالًا من تجربة حقيقية: عندما بدأنا حملة تحسين محركات البحث لشركة تُقدِّم خدمات الاستشارات القانونية، حدَّد العميل شريحته المستهدفة بأنها “روّاد الأعمال الجدد في السعودية”.
هل هذا ممتاز؟ لا، فهذه الفئة عريضة جدًّا، بل إنها متناقضة أحيانًا، إذ إن “رائد أعمال تقني في الرياض” ليس كـ”تاجر عقارات في المدينة”، وكلاهما ليس كـ”امرأة تؤسِّس مشروعًا منزليًّا في جازان”.
هم من الفئة الديموغرافية نفسها، لكن كل واحد منهم يعيش مشكلة مختلفة تمامًا، ويبحث عن لغة مختلفة، ويتجاوب مع عروض مختلفة.
ما فعله فريق “نكتب لك” حينها هو ما نؤمن به دائمًا، حيث:
- تجاوَزنا التقسيم التقليدي (العمر، الجنس، الموقع الجغرافي).
- بدأنا من سؤال أعمق: ما اللحظة التي يقرِّر فيها العميل أنه بحاجة إلى هذه الخدمة؟
اكتشفنا أن ما يَدعم القرار ليس مَن هو الشخص، بل إن ما يدعمه هو “المرحلة” التي يمُرّ بها: هل هو في لحظة تأسيس شركة، أو في نزاع قضائي، أو أنه يجهِّز لطرح عام؟
وهنا نعيد تعريف تقسيم السوق: تقسيم السوق الحقيقي لا يبدأ من “مَن هو العميل؟”، بل مِن “في أي ظرف يتخذ القرار؟”.
والنتيجة هي أننا صمَّمنا ثلاث حملات مختلفة للخدمة نفسها، كل حملة تستهدف ظرفًا مختلفًا، وتجاوزت نسبة التحويل 9% في الشهر الأول، في حين أن المعدَّل المعتاد في القطاع لا يتجاوز 3%.
الخلاصة هنا ليست أن تقسيم السوق غير كافٍ، بل هي أن التسويق السطحي لتقسيم السوق يؤدي إلى قرارات عرجاء، وإعلانات لا تخاطب أحدًا.
فوائد تجزئة السوق: لماذا لم يَعُد تقسيم السوق رفاهية؟
هناك قرارات تسويقية يمكن تأجيلها، لكن تقسيم السوق ليس منها.
تجزئة السوق ليست مجرد خطوة ضمن خطة العمل، بل هي العدسة التي ترى بها السوق بأكملها، وبدونها أنت لا تتعامل مع بشر، بل مع أرقام مجردة لا تُبنَى عليها حملات، ولا تصنع منها علامات.
في الفقرة التالية نفكِّك الفوائد الجوهرية التي يمنحها لك تقسيم السوق، ونعرضها كما عايشناها نحن في “نكتب لك”، أو كما تجلَّت في قصص شركات سعودية حقَّقت نموًّا لافتًا، حين اختارت أن تستهدف، لا أن تعمِّم.
1. خفض تكلفة التسويق وزيادة العائد:
حين تستهدف شريحة محددة، تعرف لغتها واحتياجاتها بدقة، تقل الرسائل التسويقية العامة، وتنخفض تكلفة الاستهداف في الإعلانات، وتزداد معدلات التحويل.
من الواقع: عمِلنا في مشروع سعودي ناشئ، كان يُعلن بشكل عشوائي لكل مَن يبحث عن “تطبيق توصيل”…
بعد التقسيم، ركَّزنا على جمهور “الأمهات العاملات في المدن الصغيرة”.
كانت النتيجة نقصًا في تكلفة النقرة بنسبة 42%، وزيادة في الطلبات بنسبة 60%، خلال 30 يومًا فقط.
2. بناء هوية تجارية متماسكة:
لا يمكن بناء علامة تجارية تُحفَظ وتُحَب وتُشارَك، إذا كانت تخاطب الجميع بالطريقة نفسها، لكن حين تُخاطب فئة محددة، فإن هويتك تصبح انعكاسًا دقيقًا لما يشعرون به.
مثال: “جاهز” لم تقل إن خدمتها أسرع توصيل، بل قدمت نفسها بوصفها تجربة فاخرة للتوصيل الذكي، تستهدف فئة تبحث عن الدقة والراحة، وليس فقط عن السعر.
3. تقديم منتج أفضل:
تقسيم السوق لا يخدم التسويق فقط، بل ينعكس مباشرة على تطوير المنتج نفسه.
مثلًا: حين تعمل على منتج محاسبي (مثل: فوم، أو قيود)، وتُحدِّد أن جمهورك الأساسي هو “المتاجر الصغيرة في السعودية”، ستكتشف أن:
- الربط مع هيئة الزكاة ضرورة.
- اللغة يجب أن تكون مفهومة وغير تقنية.
- لوحة التحكُّم يجب أن تشرح نفسها بنفسها.
لو حاولت خدمة كل مَن يحتاج إلى المحاسبة، لغرِقت في تقديم كل شيء، وفقدت التميُّز في أي شيء.
4. رفع ولاء العميل وزيادة التوصية:
العميل لا يُوصي بخدمة جيدة، بل يُوصي بخدمةٍ شَعَر بأنها صُمِّمت له.
حين يشعر العميل بأن المنتج يُلبِّي احتياجه بدقة، وأن المحتوى يتحدث بلُغته، وأن الواجهة تَفهَمه أكثر مما يفهم نفسه، يتحوَّل تلقائيًّا إلى سفير للعلامة.
5. تمهيد الطريق للنمو المستقبلي:
تقسيم السوق اليوم لا يعني البقاء فيه إلى الأبد، بل هو القاعدة التي تُبنى عليها مراحل التوسع، فحين تُسيطر على شريحة بدقة، يصبح الانتقال إلى الشرائح القريبة أكثر سلاسة؛ لأن لديك جمهورًا وفهمًا ودروسًا تطبيقية.
مثلًا: تطبيق “تمارا” بدأ باستهداف الشباب العاملين، ثم توسَّع تدريجيًّا ليشمل قطاعات أخرى، مثل: ربات المنازل، والطلاب، دون فقدان وضوح رسالته الأصلية.
السؤال الآن: كيف نُقسِّم السوق بطرق ذكية ومبنية على أرض الواقع؟
نبدأ في السطر التالي بـ “الأسس التقليدية لتقسيم السوق”، لا لنكرِّرها، بل لنفكِّكها ونُعيد ترتيبها بما يناسب السوق السعوديّة.
مهم للغاية: إستراتيجية تسويقية: كيف تَبنِي واحدة في 45 دقيقة؟
أسس تقسيم السوق: كيف تقطِّع الكعكة دون أن تفسدها؟
كل مَن قرأ عن التسويق يعرف هذه العناوين: الجغرافي، والديمُغرافي، والسلوكي، والسيكوجرافي… لكن قليلًا منهم مَن يعرفون كيف يعيدون استخدامها بما يناسب السياق المحلي، دون أن يكتفوا بنسخ نماذج الشركات الغربية.
في السعودية، السوق ليست مجرَّد مجموع سكانها، بل هي شبكة معقّدة من العادات والقيم والقرارات، التي تتغيّر حسب اللحظة والمكان والطبقة الاجتماعية. لهذا، فدعنا نُفكِّك الأسس الأربعة الكبرى، ليس كما وردت في كتب التسويق، بل كما رصدناها على أرض الواقع:
أولًا: التقسيم الجغرافي ليس مجرد خريطة:
الكثير من الحملات تبدأ بتقسيم “وسط، شرق، غرب، شمال”، ثم تَبنِي المحتوى وفق هذه المسطرة البسيطة… لكن الحقيقة هي أن الفرق بين الخرج والرياض، قد يكون أكبر من الفرق بين الرياض ودبي، من حيث سلوك المستهلك.
مثال واقعي: عند كتابة حملات إعلانية لصالح متجر إلكتروني متخصص في الأزياء، لاحظنا أن سكان جدة يتجاوبون مع نبرة مرِحة وبصَرية فيها جرأة، في حين كانت النبرة نفسها تؤدي إلى نتائج عكسية في القصيم، حيث يُفضِّل المستخدم نبرة أكثر تحفُّظًا ووقارًا.
ثانيًا: التقسيم الديمُغرافي لا يكفي:
العمر، الجنس، الدخل، الحالة الاجتماعية… معلومات ضرورية، لكنها لا تقول شيئًا عن دوافع الشراء. فمثلًا: فتاة في عمر 25 سنة في الدمام تعمل في قطاع البنوك، تختلف تمامًا عن أخرى تُماثِلها في عمرها، تعيش في بيئة محافِظة، وتُدير متجرًا منزليًّا على إنستغرام.
مثال تطبيقي: في أثناء إطلاق حملة توعَوية لمنصة “استشارات”، لاحظنا أن النساء المتزوجات العاملات كُنّ أكثر انفتاحًا على الاشتراك المدفوع من فئة العازبات، على الرغم من أن الدخل كان متقاربًا. ما السبب؟ احتياج مختلف، وتقدير أعلى للوقت.
ثالثًا: السلوك هو المفتاح الحقيقي:
في سوق مثل السعودية – حيث يتَّخذ كثير من المستهلكين قرارات الشراء على أساس الراحة أو التوصيل أو دعم Apple Pay – يصبح السلوك أكثر أهمية من أيّة معلومة ديمُغرافية.
فمثلًا: “تمارا” لم تَبنِ نجاحها على استهداف فئة عمرية، بل على تَبنِّي سلوك شائع: “أرغب في الشراء الآن، والدفع لاحقًا”. فئة الشباب العامل، التي لا تمتلك سيولة فورية لكنها تَملك رغبة في الشراء، تَجاوَبَت مع هذه الفكرة مباشرة، وكانت هي نواة النمو الأُولى للشركة.
رابعًا: نمط الحياة هو ما يصنع القُرب العاطفي:
هذا النوع من التقسيم يعتمد على القِيم، والطموحات، وأسلوب الحياة. في السعودية، يُهمَل هذا النوع كثيرًا، على الرغم من أنه أساس في بناء علامة تجارية محبوبة.
من تجربة “نكتب لك“: حين صمَّمنا حملة لعلامة ناشئة في مجال التغذية الصحية، بنينا رسائلنا على نمط حياة: “أنا أبحث عن خيارات نظيفة، وإن كانت أغلى”. هذه الرسالة لم تخاطب الجميع، لكنها جذبت شريحة مستعدّة للولاء والشراء المتكرِّر؛ لأن الحملة كانت تُعبِّر عنهم.
ما الذي نستنتجه من ذلك؟ تقسيم السوق لا يعني وضع الناس في خانات، بل يعني فهم مَن هو هذا الشخص، وما الذي يحرِّكه فعليًّا، وكلما اقتربت من دوافعه الحقيقية، استطعت أن تكتب له، وتبيع له، وتكسبه مدى الحياة.
مهم للغاية: المزيج التسويقي: دليل عملي مبني على دراسة حالية واقعية.
من السوق إلى القطاعات: 3 نماذج حقيقية من مشروعات عربية نجحت في تقسيم السوق:
السوق مثل البحر، قد يبدو على السطح متصلًا، لكنه في العمق مقسَّم إلى تيارات وجيوب حرارية، وأعماق لا تُرى بالعين المجردة. والشركات الذكية هي التي تضع مُعَدّاتها في التيار المناسب، لا في أي مكان يعجُّ بالحركة.
في السطور القادمة، سنُحلِّل 3 حالات عربية – بعضها من ميداننا في “نكتب لك” – ونشرح كيف نجح التقسيم في صناعة النمو:
الحالة الأولى: “تمارا”: عندما اختار المنتَجَ جمهورُه، قبل أن يختارهم هو:
لم تُطلِق “تمارا” منتَجها للجميع، بل بُنِيت من اليوم الأول على فرضية واضحة: الشباب العامل في السعودية لديهم دخل، لكن لا يملكون سيولة فورية، ويرغبون في الشراء الآن.
هذا التقسيم لم يكن ديمُغرافيًّا فقط، بل كان سلوكيًّا ونفسيًّا أيضًا:
- الثقة بالتقسيط.
- الدافع إلى الشراء الفوري.
- التفاعل العالي مع العروض والتقسيط في لحظة الشراء.
النتيجة: سوق مدروسة بعناية، أدَّت إلى اكتساب حصة كبيرة من التجارة الإلكترونية خلال مدّة قياسية، وتحوَّلت لاحقًا إلى شريحة أكبر تدريجيًّا.
الحالة الثانية: من تجربة “نكتب لك”: كيف ساعدنا العلامات التجارية على استهداف السوق الذكيّة لا السوق المزدحمة؟
عند العمل على حملة سيو لمتجر سعودي ناشئ في قطاع الأثاث، لم نقع في فخ الكلمات الكبيرة، مثل: “أثاث مودرن”، أو “أرائك فخمة”، بل بدأنا بسؤال بسيط: “مَن الذي يبحث عن الأثاث على الإنترنت؟ وما الذي يُقلِقه في أثناء اتخاذ القرار؟”…
حدَّدنا 3 شرائح بديلة، وهي:
- أصحاب الشقق المفروشة المؤقَّتة.
- المتزوجون حديثًا بميزانية محدودة.
- العائلات التي تبحث عن أثاث عملي للأطفال.
وكتبنا المحتوى لكل شريحة، بلُغتها، وهمومها، وسيناريوهاتها.
النتيجة: ارتفاع التحويلات 3X مقارنةً بالحملات العامة، وتحوُّل الزائر من باحث إلى مُشتَرٍ خلال مدّة قصيرة.
الحالة الثالثة: “جاهز” أو “نون”: الولاء لا يُشترى، بل يُبنَى على الفهم:
“جاهز” و”نون” يتنافسان في سوق مزدحمة، ومع ذلك، فإننا نلاحظ أن كل واحدة منهما تَبنِي جمهورًا مختلفًا.
- “جاهز” استهدفت شريحة العملاء الباحثين عن أقل احتكاك في أثناء الطلب، عن طريق: واجهة بسيطة، وتسجيل سريع، وتتبُّع لَحظيّ.
- “نون” استهدفت شريحة الباحثين عن العروض، ومحبِّي التسوُّق الموسمي، وصائدي الصفقات.
تقسيم مبني على السلوك، لكن أيضًا على الولاء:
- مَن اعتاد “جاهز”، لا يحب تغيير تجربته.
- مَن وجد في “نون” سعرًا أفضل، يعود لاحقًا لمتابعة العروض.
فتعلمنا أن: التقسيم الذكي لا يقف عند مرحلة جذب العميل، بل يُعيد ابتكار التجربة بناءً على دوافعه الأولى.
مهم للغاية: كيفية عمل خطة تسويقية لمنتج في صفحة واحدة.
إستراتيجيات تقسيم السوق: أيُّ نهج يناسبك؟
اختيارك لإستراتيجية تقسيم السوق ليس مجرد خطوة تقنية في الخطة التسويقية، بل هو قرار إستراتيجي يعكس رؤيتك عن:
- مَن تخدم؟
- بأيِّ الموارد؟
- في أيّة مرحلة من النمو؟
هنا نفكِّك الإستراتيجيات الأربع المعروفة، ونضعها تحت عدسة السوق السعوديّة، مع دروس من شركات محلية وعالمية، تتعامل مع المعطيات نفسها.
أولًا: الإستراتيجية غير المتمايزة (Undifferentiated Marketing):
“كل شخص هو عميل محتمل، فلنعرض عليهم الشيء نفسه”: هذه الإستراتيجية تُستخدم غالبًا في المنتجات العامة، التي لا تتطلب تخصيصًا أو لغة تسويقية موجّهة. الفكرة هنا هي توفير منتج يلائم أوسع شريحة مُمكِنة بأقل تكلفة.
مثال سعودي: منتجات “مياه نوفا” و”العين” في مراحلها الأولى… الإعلان كان بسيطًا: “مياه نقية، موثوقة، متوفرة”…
لا وجود لاستهداف عُمْر أو نمط حياة أو دَخل، فالسوق كله كان يُخاطَب كتلةً واحدة.
المكسب:
- تقليل التكاليف الإعلانية.
- توحيد الجهود في التصنيع والتوزيع.
لكن مع تزايد المنافسة، يصبح من الصعب البقاء بهذا النهج؛ لأنك لا تَملك ميزة نفسية أو عاطفية تُميِّزك لدى جمهور معيَّن، والولاء هنا يكون للسعر أو التوفُّر فقط.
ثانيًا: الإستراتيجية المتمايزة (Differentiated Marketing):
“ليس كل العملاء سواسية، فلنُصمِّم لكل منهم ما يناسبه”: هنا تتبنَّى الشركة تقسيمًا واضحًا للسوق، وتُطوِّر عروضًا متعددة؛ لخدمة كل شريحة بطريقة مختلفة.
مثال سعودي موسَّع: شركة “STC” لا تبيع فقط باقات بيانات، بل تصمِّم عروضًا حسب:
- الموظفين.
- الطلاب.
- العائلات.
- الشركات الصغيرة.
- الشركات الكبرى.
- عملاء VIP.
في كل حملة تسويقية نرى لحنًا ولغة مختلفة، ففي رمضان – مثلًا – تخاطِب STC العائلات بقِيم التواصل، في حين أنه في العودة إلى المدارس، تُخاطِب الطلاب بالحوافز التكنولوجية.
القوة هنا تكمن في:
- اختراق شرائح متعددة من السوق.
- تحقيق إيرادات من جماهير مختلفة بمرونة.
لكن يتطلب هذا النهج ميزانية تسويق أكبر، وفريقًا قادرًا على تحليل بيانات كل شريحة، والتعامل مع فروقاتها.
ثالثًا: الإستراتيجية المركَّزة (Niche Marketing):
“نُريد التحدث إلى قِلة، لكننا نُريدهم أن يصغوا جيدًا”: غالبًا ما تتبناها الشركات الناشئة أو المشروعات الصغيرة؛ لأنها تسمح ببناء علامة تجارية قوية في شريحة محددة، دون الحاجة إلى موارد ضخمة.
مثال فعلي: تطبيق “سلفة” عند انطلاقه، لم يخاطِب السوق بالكامل، بل ركَّز على:
- الموظفين الحكوميين.
- ذوي الدخل الثابت.
- المهتمين بتمويل صغير وسريع.
مع تجربة استخدام سهلة بدون زيارة فروع.
بهذا التركيز، بَنَى “سلفة” الثقة سريعًا لدى شريحة تُعاني التعقيد البنكي، وحقَّق اختراقًا دون ميزانيات إعلانات كبيرة.
ميزة هذه الإستراتيجية:
- بناء علاقة عميقة وولاء حقيقي.
- سرعة في اتخاذ القرار من العميل؛ لأنه يشعر بأنك تَفهَمه.
فيم يتمثل تحدِّيها؟ يتمثل في ضِيق نطاق السوق، وصعوبة التوسُّع لاحقًا، إن لم تُخطط من البداية للانتقال إلى شرائح أخرى مرتبطة.
رابعًا: إستراتيجية المزيج التسويقي الدقيق (Micromarketing/ Customization):
“ليس لدينا شرائح، لكنَّ لدينا أفرادًا”: هنا تُوظِّف الشركة تقنيات تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي، في تقديم تجربة فريدة لكل عميل. الإعلانات، والتوصيات، و العروض أيضًا، تُصمَّم حسب السلوك الفردي.
مثال سعودي معاصر: منصات الأزياء على سناب شات، هذه المنصات لا تَعرِض الملابس نفسها لكل شخص، بل تُوجِّه العروض حسب:
- المنطقة الجغرافية (الرياض/ جدة/ القصيم).
- العمر.
- نوع المحتوى الذي يتفاعلون معه.
- أنماط الشراء السابقة.
وهنا تظهر أدوات مثل:
- Google Ads Audience Signals.
- حملات إعادة الاستهداف Retargeting.
- التسويق عبر البريد حسب السلوك Behavioral Email.
القوة هنا تكمن في:
- نسبة تحويل عالية جدًّا.
- تجربة تسوُّق مخصَّصة، تَبنِي ولاءً حقيقيًّا.
أين تكمن الصعوبة؟ تكمن في أنها تحتاج إلى بنية تحتية تقنية قوية، وفِرَق متخصصة في البيانات، ومتابعة دقيقة للتغيُّرات في سلوك العملاء.
متى تختار كل واحدة؟
الإستراتيجية | متى تستخدمها؟ | أبرز مثال سعودي |
غير متمايزة | إذا كان منتجك عامًّا أو محدود الموارد. | مياه “نوفا” سابقًا. |
متمايزة | إذا كانت لديك شرائح متعددة، بإمكانيات تسويقية. | STC، “هنقرستيشن”. |
مركَّزة (نيتش) | إذا بدأت مشروعًا وتريد بناء ولاء. | “سلفة”، تطبيق “زاد”. |
دقيقة (مخصَّصة) | إذا كنت تعتمد على البيانات أو التجارة الإلكترونية. | “سناب أزياء”، “نمشي”. |
ملاحظة ختامية: اختر إستراتيجيتك بناءً على أمرين:
- مرحلتك الحالية.
- مدى فهمك لجمهورك.
ولا تنس أن الانتقال بين الإستراتيجيات وارد، بل قد يكون مطلوبًا مع تطوُّر المشروع.
كيف تختار التقسيم الأنسب لمشروعك؟
ليست كل الأسواق متشابهة، ولا كل المشروعات وُلدت لتخاطِب الجمهور نفسه. لذلك، فالسؤال الحقيقي ليس: “ما هو أفضل تقسيم؟”، بل: “أيُّ تقسيم يخدم مشروعك اليوم، ويقوده إلى النمو غدًا؟”.
دعنا نضع بين يديك خريطة عملية، تساعدك على اختيار نهج التقسيم المناسب:
سؤال جوهري | ماذا يكشف؟ | متى تكون الإجابة مؤشِّرًا؟ |
هل منتَجك يناسب الجميع دون تخصيص؟ | مدى حاجتك إلى الإستراتيجية غير المتمايزة. | إذا كانت إجابتك نعم، فجرِّب مخاطبة السوق كله بنسخة واحدة. |
هل تَملك أكثر من منتَج، أو أكثر من ميزة واضحة؟ | مُلاءمتك للإستراتيجية المتمايزة. | يمكِنك تقسيم السوق، واستهداف كل فئة بمنتَج أو ميزة مخصَّصة. |
هل تستهدف شريحة ضيقة بميزانية محدودة؟ | حاجتك إلى إستراتيجية التركيز (النيتش). | ركِّز على شريحة واحدة، واصنع لها منتجًا مميزًا. |
هل تَملك منتجًا واحدًا، لكن جمهورك متنوع؟ | ضرورة التفكير بإستراتيجية المزيج التسويقي. | عدِّل الرسائل التسويقية والميزات، حسب سلوك كل فئة. |
من تجربتنا في “نكتب لك”:
حين بدأنا العمل في مشروع “استرحت”، كان جمهور التطبيق يتوزع بين:
- فئة الشباب الباحثين عن دعم نفسي فوري.
- أمهات يتعاملن مع مشكلات نفسية لدى أطفالهن.
- مغتربين في الخليج يعانون العزلة وعدم التأقلم.
اخترنا أن نستخدم إستراتيجية المزيج التسويقي، حيث خاطبنا كل فئة بلُغتها، وآلامها، وطريقتها في اتخاذ القرار… فما نتيجة ذلك؟ معدَّل تسجيل أعلى، ورسائل أكثر صدقًا، ونمو متدرج دون إهدار ميزانية.
كيف تطبِّق ذلك الآن؟
- خُض مقابلات مع عملائك الحاليين، أو استخرِج أنماطهم من Google Analytics.
- اختبِر رسائل إعلانية مختلفة لكل شريحة.
- راقِب التفاعل، ثم وسِّع النطاق.
مهم للغاية: أدوات التسويق الإلكتروني: أفضل 7 أدوات بعد تجربة عقد من الزمن.
من أين تبدأ؟ 3 خطوات لتقسيم سوقك بذكاء:
التجزئة ليست خطة جاهزة تُنسخ من كتاب، بل عملية استكشاف مدروسة، تبدأ من فهم السوق، وتنتهي إلى تشكيل عرضٍ تسويقي لا يُشبه أحدًا سواك. إليك ثلاث خطوات عملية، مأخوذة من التجربة، لا من النظريات:
1. لا تبدأ بـ “العميل”، بل ابدأ بـ “المنتَج”:
قبل أن تسأل: “مَن جمهوري؟”، اسأل: “ما الذي يميِّز منتَجي عن غيره؟”.
في “نكتب لك”، حين بدأنا في بناء إستراتيجية تسويق لمنصة ناشئة في قطاع التوظيف، لم نبدأ بتحليل الجمهور مباشرة، بل أعَدنا قراءة المنتَج: ما الذي يقدِّمه فعلًا؟ وما الذي لا يقدِّمه؟ وما الذي يجعله يستحق الانتباه؟
كانت النتيجة أننا اكتشفنا أن المنصة ليست منافسًا شاملًا في السوق، بل حلٌّ متخصِّص لأصحاب الشركات الصغيرة، ممن لا يملكون وقتًا أو خبرة في التوظيف. هذا الفهم هو ما وجَّهَنا لاحقًا إلى اختيار القطاعات.
2. اجمع البيانات من السوق، لا من “الخيال الآمن”:
الحدس مفيد، لكن البيانات تَحسِم الأمور. فكيف تجمع بيانات تساعدك على التجزئة؟
- راقِب الحملات الإعلانية: ما الفئات التي تتفاعل أكثر؟
- استخدِم أدوات مثل: Google Trends، أو تحليلات الموقع؛ لمعرفة سلوك الزوار.
- تَواصَل مع عملائك الحاليين: ما الذي جعلهم يختارونك؟ وما الذي كانوا يبحثون عنه؟
في أحد مشروعاتنا مع شركة تقنية، قادَتْنا البيانات إلى اختيار شريحة “المديرين التنفيذيين الباحثين عن تقارير جاهزة”، بدلًا من الجمهور التقليدي المتمثِّل في “المحاسبين”.
3. اصنع “نموذج الزبون المثالي”، ثم اختبره:
نموذج الزبون المثالي (Buyer Persona) ليس رسمًا تخيُّليًّا، بل أداة إستراتيجية.
صمِّم هذا النموذج بناءً على ما يلي:
- بيانات حقيقية (العمر، الدخل، الوظيفة، الاهتمامات).
- احتياجات محددة (ماذا يريد؟ ما مشكلته اليومية؟).
- محفِّزات على الشراء (ما الذي يدفعه إلى اتخاذ قرار؟ هل هو السعر، أو الثقة، أو الوقت؟).
لكن الأهم: لا تثق بالنموذج حتى تختبره… أَطلِق حملة تجريبية، وراقِب النتائج: هل تتفاعل هذه الفئة؟ هل تشتري؟ إن لم تفعل، فربما لم تفهمها بعد.
الخطوة | ما الذي تعنيه؟ | أسئلة إرشادية لتطبيقها | مثال واقعي من التجربة |
1. ابدأ من المنتج لا الجمهور. | افهم جوهر ما تُقدِّمه؛ لتعرف مَن يحتاج إليه حقًّا. | – ما الذي يجعل منتَجي مختلفًا؟
– ما المشكلات التي يحلُّها فعليًّا؟ |
في “نكتب لك”، عند تسويق منصة توظيف، اكتشفنا أنها تخدم أصحاب الشركات الصغيرة، لا الباحثين. |
2. اجمع بيانات حقيقية. | استخدِم تحليلات ومصادر مباشرة؛ لِفَهم مَن يتفاعل معك. | – مَن يتفاعل مع إعلاناتك؟
– ما كلمات البحث الشائعة؟ – ما سلوك زوّار الموقع؟ |
من خلال بيانات جوجل، وجدنا أن فئة المديرين التنفيذيين تتفاعل أكثر من فئة المحاسبين. |
3. صمِّم واختبر Buyer Persona. | أَنشِئ نموذجًا لشخصية الزبون المثالي، ثم اختبِره عبر حملات فعلية. | – كم عمر العميل المثالي؟
– ما اهتماماته؟ – ما الذي يجذِبه للشراء؟ |
أَطلَقنا حملة على شريحة محددة، وتأكَّدنا من فاعليتها، من خلال مؤشِّرات التفاعل والمبيعات. |
وإن أردت أن تستزيد أكثر حَوْل تقسيم السوق، فهذه بعض الكتب التي نوصيك بها.
3 كتب ستقودك إلى فهم تقسيم السوق باحتراف:
إذا وجدت أن تقسيم السوق ليس مجرد تمرين تسويقي، بل أساس إستراتيجي، فإنه يجب أن يُبنَى عليه كل شيء: الرسائل، والمنتَج، واختيار القنوات… فأنت تفكِّر بوصفك مسوِّقًا ناضجًا.
لذا، فقد اخترنا لك 3 كتب ستزيدك عمقًا معرفيًّا حقيقيًّا، سواء كنت مبتدئًا أو مدير تسويق يبحث عن أدوات أكثر دقة:
اسم الكتاب | الكاتب | لماذا نرشِّحه؟ |
Crossing the Chasm | Geoffrey A. Moore | يناقش كيف تنتقل الشركات من مخاطبة جمهورها الأَوَّليّ إلى جمهور أوسع، وهو جوهر إستراتيجيات التقسيم. مناسب للشركات التقنية والابتكارية. |
Blue Ocean Strategy | W. Chan Kim & Renée Mauborgne | يُعيد تعريف السوق بالكامل، ويرشدك إلى كيفية خلق فئة جديدة، بدلًا من التنافس في سوق مزدحمة. |
Buyer Personas | Adele Revella | يمنحك منهجية عملية لبناء شخصيات العملاء (Personas)، واستخدامها في تطوير المنتج والمحتوى والحملات. |
نصيحتنا لك: ابدأ بكتاب Buyer Personas، خصوصًا إن كنت في بداية مشروعك، أو تعمل ضمن فريق تسويق صغير. ستجد فيه أمثلة قابلة للتطبيق، وأسئلة حقيقية تساعدك على التقسيم، من أرض الواقع لا من قوالب جاهزة.
مهم للغاية: أساسيات التسويق الرقمي كما لم تعرفها من قبل.
خلاصة القول: لا تُسوِّق للجميع، فتخسر الجميع:
تقسيم السوق ليس رفاهية، ولا مجرد مرحلة أولى من مراحل إعداد الخطة التسويقية… إنه القرار الذي يتوقَّف عليه كل ما سيأتي بعده:
- إن أخطأت فَهم جمهورك، فكل إعلان ستدفع عليه المال، سيكون كمَن يصيح في صحراء.
- إن اخترت شريحة ضيِّقة دون اختبار جدواها، فستَبنِي منتَجًا لا أحد يريده.
- إن عمَّمت رسالتك للجميع، فلن يسمعك أحد.
ابدأ دائمًا بـ: مَن نخاطب؟ ولماذا الآن؟ ثم اربط هذا الجواب بـ: ما الذي نقدِّمه؟ وكيف نختلف؟
وقبل أن تكتب كلمة واحدة في موقعك أو إعلانك، تأكَّد من أن لديك شريحة واضحة، ومؤهلة، وحقيقية… تعرِفها كما تعرف صديقك المقرَّب.